لعبت صناعة السيارات دور بارزفي اقتصادات العديد من دول العالم، حيث عملت كقوة اقتصادية على مدار تاريخها الذي يزيد عن مائة عام، فالصناعة توظف الملايين من العمال ولديها رأس المال بمليارات الدولارات والتي يتم استثمارها تحت مسمي تحسين التنقل الفردي.
لقد تحولت الشركات التي تقف وراء هذه القوة الدافعة في الكثير من الدول بدءًا من اليابان إلى ألمانيا لتصبح تلك الشركات أسماء مألوفة، فأصبح اختيار الشخص لسيارته جزءًا لا يتجزأ من هويته مثل الملابس التي يرتديها.
ومع ذلك، فقد تعثرت العديد من الصناعات إلى حد ما خلال العام ونصف العام الماضيين وخاصة صناعة السيارات، حيث كان ظهور الوباء بمثابة بداية لما اتضح أنه أحد أكثر الفترات تحديًا في تاريخ الصناعة، وقد أدى تقليص حجم الانتاج وإعادة التفكير الاستراتيجي والطلب الضعيف وقضايا سلسلة التوريد إلى إعاقة الإنتاج وإلحاق الضرر بأسعار أسهم الشركات، على الأقل بالنسبة لشركات صناعة السيارات التقليدية.
أجبرت عدم القدرة على الحصول على أشباه الموصلات التي يتم استخدامها في جميع مراحل إنتاج السيارات الحديثة بداية من أنظمة الكبح إلى الملاحة عبر الأقمار الصناعية، شركات السيارات على تعطيل خطوط إنتاجها كما تراجعت أهدافها، ومن المحتمل أن يكون التأثير جيدًا في العام القادم.
وسط هذه الفوضى، تعرضت شركات تصنيع السيارات التقليدية مثل فورد أو تويتا للتهديد من قبل توجه الاستثمار في أسهم السيارات الكهربية حيث أصبحت الشركات المحلية للسيارات الكهربائية (EV) مثل تسلا وRivian و NIO في الصين من الشركات المحببة لدي الكثيرين، على الرغم من فشل أساسياتهم في مطابقة أسس الشركات التقليدية.
وقد واجهت أسهم صناعة السيارات تغيرًا جذريًا في السنوات الأخيرة، فلم تعد أكبر الشركات من حيث الإيرادات بالضرورة هي الأكبر من حيث القيمة السوقية، حيث يتحرك المستثمرون بأعداد كبيرة للاستثمار في شركات السيارات التي تعتبر أكثر استعدادًا لمستقبل السيارات الكهربائية القادمة.
التحول إلي السيارات الكهربائية يجب أن يأتي مع توليد طاقة صديقة للبيئة
في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2022 الذي تم عقده في بداية شهر نوفمبر، وقعت أكثر من 20 دولة وعدة مدن وولايات ومصنعي سيارات مختارين وثيقة للعمل على بيع السيارات الجديدة الخالية من الانبعاثات بحلول عام 2040.
وعلى الرغم من موافقة الكثيرين على التحول نحو السيارات الكهربائية التي لا تصدر أي انبعاثات إلا أن الحقيقية القاسية التي يجب أن يفهمها الكثيرين أن استخدام السيارات الكهربائية لن يضمن انخفاض انبعاثات الكربون بسبب اعتماد آسيا على الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة.
لهذا يجب أن يكون هناك ضغط من الدول لتسريع عملية التحول إلي استخدام الكهرباء “الخضراء” أولاً قبل الانتقال إلى السيارات “الخضراء”، ووفقًا لبيانات حديثة يعتمد ما يقرب من 80% من إمدادات الطاقة في الصين على الفحم والنفط، ويساهم الفحم وحده بنحو 60% في إنتاج الطاقة في البلاد، بينما تعتمد دول آسيوية أخرى مثل فيتنام وهونج كونج وتايوان والهند بشكل كبير على أردء أنواع الوقود في العالم وهو الفحم لتزويدها بالطاقة.
في الواقع نحن بحاجة إلى القيام بالتحول إلى استخدام وقود أنظف بطريقة أكثر ذكاء حتى يكون مستدامًا، فليس من المنطقي الاستعجال ثم العودة للوراء كما نراه في الصين التي شهدت تراجعًا عن أهدافها الخاصة بحياد الكربون بعد معاناتها من أزمة حادة في الطاقة بسبب نقص الفحم، وحتى في المملكة المتحدة، بسبب أزمة الطاقة الشديدة عندها فإنهم يستعيدون إنتاجهم الإضافي للفحم.
من المتوقع أن تشهد أسواق السيارات الكهربائية الرئيسية والتي تمثلها الصين والولايات المتحدة وأوروبا استقرارًا في المبيعات بحلول عام 2032، أما في أسواق آسيا وبقية العالم قد نري تغيرًا جذريًا في معدلات الطلب.
من المرجح أن يلعب قطاع السيارات الكهربائية دورًا أكبر في الاقتصادات الآسيوية حيث تتخذ الحكومات مواقف أكثر صرامة في خفض انبعاثات الكربون.
لا يزال نقص رقائق أشباه الموصلات يشكل مخاطر
هناك العديد من المخاطر التي تواجه صناعة السيارات الكهربائية والتي يمكن تقسيمها بناءً على ما إذا كانت الشركة هي مُصنع تقليدي والذي سيواجه انتقالًا معقدًا ومكلفًا ليبعد عن السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي أو شركة حديثة تركز على صناعة السيارات الكهربائية.
ومع ذلك، وبشكل عام تتأثر جميع الشركات في السوق بشكل متساوٍ بالنقص المستمر في رقائق أشباه الموصلات ونقص المنتجات الأخرى في العرض العالمي، الأمر الذي أثر سلبًا على مستويات الإنتاج في جميع أنحاء الصناعة.
يقول أحد محللي السوق إنه بينما من المقرر أن تنحسر ضغوط العرض، فمن المرجح أن يستمر النقص في التأثير على السوق في 2022، ويتوقع الكثير من الخبراء أن النقص سيستمر في الحدوث إلى حد ما لبقية هذا العام وربما حتى العام القادم.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هناك بعض التفاؤل خاصة بعد تصريح شركة تايوان لأشباه الموصلات (TSMC)، التي أشارت إنها تهدف إلى زيادة إنتاج وحداتها من الرقائق الدقيقة بما يقرب من 60% على أساس سنوي هذا العام، الأمر الذي خفف بعض ضغوط العرض خلال ما تبقي من العام والعام المقبل.
نلاحظ أيضًا أن تأثير نقص الرقائق غير متساوٍ بين مصنعي السيارات، حيث نجد أن شركة تسعى لإدارة الموقف بطريقتها الخاصة، والأهم من ذلك، إعطاء الأولوية لإنتاج نماذج ذات هامش أعلى لتقليل التأثير على الربحية، والتي، بالنظر إلى الطلب الاستهلاكي القوي المذكور أعلاه يجب أن تكون أقل تأثراً من حجم الإنتاج.
التحول نحو الكهرباء
بالنسبة قطاع السيارات التقليدية، هناك خطر رئيسي آخر يواجه كبار المسؤولين التنفيذيين وهو التهديد بأن تصبح الشركات المحلية للسيارات الكهربائية مثل شركة تسلا القوة المهيمنة في الصناعة حيث يتحول المزيد من المستهلكين إلى السيارات الكهربائية.
في بداية عام 2010 كانت السيارات الكهربائية لا تزال تُعتبر فرصة طويلة للإنتاج الضخم والاعتماد، وذلك مع تأخر كثافة الطاقة وكفاءة البطاريات الكهربائية كثيرًا عن المركبات التي تعمل بالبنزين.
ومع ذلك، تقدمت صناعة السيارات الكهربائية سريعًا حتى جاء عام 2022، وأصبحت شركة تسلا التي يملكها “إيلون ماسك” أكبر شركة سيارات كهربائية في العالم من حيث القيمة السوقية، والتي تم الاعتراف بها مؤخرًا كأول شركة في القطاع تحصل على تقييم يزيد عن 1 تريليون دولار وسط نمو محموم ودعم المستثمرين على مدى السنوات القليلة الماضية.
تمتلك الشركة الآن تقييمًا يزيد عن خمسة أضعاف تقييم أقرب منافس لها وهي شركة تويوتا، وعلى الرغم من ذلك، فإن العلامة التجارية اليابانية “تويوتا” لا تزال تتضاعف إيراداتها حاليًا قبل شركة ماسك.
وفي الوقت نفسه، حصلت شركة Rivian المصنعة للشاحنات الكهربائية على تقييم بأكثر من 100 مليار دولار في طرحها العام الأولي (IPO)، على الرغم من أنها لم تطلق بعد منتجًا واحدًا رسميًا للسوق الشامل.
من المقرر أن تكون الكهربة هي العامل المهيمن على صناعة السيارات في العقد المقبل، حيث يتجه المزيد من المصنّعين لجعل السيارات الكهربائية هي الغالبية (إن لم يكن بالكامل) من مجموعة منتجاتهم.